من الناس من يغتر برحمة الله تعالى، كالعصاة والمذنبين الذين يتعلقون بالرجاء وينسون الخوف من الله تعالى، نعم ينبغي للمسلم أن يرجو رحمة الله تعالى و لكن ينبغي له العمل للفوز بها
إن الغرور داء خطير: لأنه مانع من موانع التوبة والإنابة والله تعالى يقول :
-
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿١١﴾
﴿ الحجرات﴾
ولأنه يدفع إلى تزكية النفس وإحسان الظن بها، والله تعالى يقول:
-
فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴿٣٢﴾
﴿ النجم﴾
ولأنه يدفع إلى نكران نعمة الله تعالى كما قال قارون:
-
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴿٧٨﴾
﴿ القصص﴾
ولأنه يدفع إلى الأمن من مكر الله تعالى والله تعالى يقول :
-
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٩٩﴾
﴿ الأعراف﴾
ولأنه يدفع إلى قطع الأعمال الصالحة، يقول أحدهم: قد عمِلتُ وعمِلتُ فلم الزيادة؟! إن الغرور داء خطير لأن أسبابه كثيرة متعددة، فمن سلم من بعضها لا يكاد يسلم من البعض الآخر، والغرور داء خطير لأنه يصاب به المؤمنون والكفار والأبرار والفجار، إلا من عصمه رب العالمين (7)
وهناك نوعين من الغرور بالله :
الأول :
غرور الكفار ، فمنهم من غرته الحياة الدنيا بزينتها وزخارفها ، ومنهم من غره بالله الغَرور و هو الشيطان ،وفيهم قال الله تعالى :
-
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ ﴿٣٣﴾
﴿ لقمان﴾
-
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ ﴿٥﴾ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿٦﴾ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿٧﴾
﴿ فاطر﴾
-
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴿١٣﴾ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّـهِ وَغَرَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ ﴿١٤﴾ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿١٥﴾
﴿ الحديد﴾
-
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴿٦﴾ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴿٧﴾ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴿٨﴾ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴿٩﴾ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴿١٠﴾ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴿١١﴾ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴿١٢﴾
﴿ الإنفطار﴾
الثاني :
غرور العصاة من المؤمنين؛بقولهم : إن الله كريم وإنا نرجو عفوه ، واتكالهم على ذلك وإهمالهم الأعمال، وتحسين ذلك بتسمية تمنيّهم واغترارهم رجاءً، وظنهم أن الرجاء مقام محمود في الدين، وأن نعمة الله واسعة ورحمته شاملة ويرجونه بوسيلة الإيمان. فإن قلت فأين الغلط في قولهم هذا، وقد قال المولى أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي خيرا، فهذا كلام صحيح مقبول في الظاهر ولكن اعلم أن الشيطان لا يغوي الإنسان إلا بمثل هذا، ولولا حسن الظاهر لما انخدع به القلب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عن ذلك فقال:" الكيس من دان نفسه، و عمل لما بعد الموت، و العاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنَّى على الله الأماني" الجامع الصغير- حديث صحيح
هناك فرق بين حسن الظن والغرور، وأن حسن الظن إن حمل على العمل، وحث عليه، وساق إليه، فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه هاديا له إلى الطاعة، زاجرا له عن المعصية، فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاء، ورجاؤه بطالة وتفريطا ، فهو المغرور.
ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يبذرها ولم يحرثها، وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها ما يأتي من حرث وبذر وسقى وتعاهد الأرض لعده الناس من أسفه السفهاء.
وكذلك لو حسن ظنه وقوي رجاؤه بأن يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم، وحرص تام عليه، وأمثال ذلك.
فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم، من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه .
وقد قال الله تعالى:-
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴿٢١٨﴾
﴿ البقرة﴾
فتأمَّل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه الطاعات ؟
إن الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته، فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه، ويرجوه أن لا يكله إليها، وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه، ويصرف ما يعارضها ويبطل أثرها. (8) -
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ ۚ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٢١٨﴾
﴿ البقرة﴾
-
فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿١١٠﴾
﴿ الكهف﴾
-
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾
﴿ ق﴾
الله سبحانه عادل فمن اتقى وأصلح فأجره على الله ، ومن قصَّر فلا يلومنَّ إلا نفسه.
- (7) أبو عبد الله محمد حاج عيسى الجزائري." داء الغرور" تاريخ الإتاحة 5 ديسمبر، 2010. http://www.islahway.com/index.php?option=com_content&view=article&id=251:38--&catid=44:2010-02-12-18-48-33&Itemid=70
(8) موقع الشبكة الإسلامية ."الفرق بين حُسن الظن والغرور". تاريخ الإتاحة 10 ديسمبر، 2010. http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=15&idto=15&bk_no=120&ID=16